2024- 09 - 29   |   بحث في الموقع  
logo كيف حدّدت إسرائيل موقع الشهيد السيد نصر الله؟ logo بالفيديو: غارة عنيفة على الشويفات logo اغتيال نصرالله يفتح الباب لتوغل إسرائيلي في لبنان.. خطة نتنياهو تتسارع logo بايدن: حان الوقت لوقف إطلاق النار في لبنان logo حسن نصرالله... قائد المقاومة لثلاثة عقود logo تنياهو ينفذ "ضربته الأقوى"... نظام إقليمي جديد عنوانه إسرائيل logo تاريخ حزب الله وأمنائه العامين: من التأسيس إلى اغتيال نصرالله logo خطة نتنياهو المعقدة: كيف تم الإيقاع بنصرالله في عملية سرية!
عبد السلام النابلسي..كيف كانت حياته في بيروت؟
2023-07-02 23:57:43



ذات شتاء بارد نهاية العام 1962 استيقظ المصريون على خبر بدا للوهلة الأولى كأنه خبر اعتيادي لكن سرعان ما تأكد للجميع أنه ليس كذلك. الخبر كان مفاده أن الممثل الكوميدي عبد السلام النابلسي سافر إلى بيروت من دون أي إعلان سابق عن هذه الرحلة المفاجئة، ومع ذلك ظن المتابعون لأخبار هذا الممثل المعروف أنها رحلة عمل سرعان ما يعود بعدها لاستئناف نشاطه الفني في القاهرة، لكن بمرور الأيام واستقصاء الزملاء عنه أيقن الجميع أنه سفر بلا عودة، أو قل أنه – ومن دون بحث عن مفردة أقل حدة – هروب كبير من البلد الذي أمضى فيه أكثر من أربعين عاماً إلى مسقط رأسه في لبنان بحثاً عن حياة أخرى أكثر هدوءا وتجربة حياتية مختلفة ربما لم يكن قد أعد لها على الوجه الأمثل، لكنه فعلها وترك مصر، وحتى ذلك الصباح الشتوي البارد ( الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 1962 ) كان النابلسي قد قدم للسينما المصرية مائة وتسعة وعشرين فيلما بدأها بفيلم "غادة الصحراء" من إنتاج آسيا داغر سنة 1929 وصولا إلى فيلمه الأخير في القاهرة "قاضي الغرام" المعروض العام 1962 نفسه، وظل النابلسي طوال كل هذه السنوات محافظاً على حظوظ الطلب عليه سينمائيا بعد أن نجح في تقديم نفسه كجزء من التوليفة التجارية الناجحة لا سيما بعد سيطرة تيار الكوميديا على الذوق السينمائي العام في مصر والمنطقة العربية مع نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945 حتى إنه قدم في عام واحد هو 1954 اثني عشر فيلما فضلا عن نجاحه في الفكاك من أسر شخصية صديق البطل أو الممثل الثاني وقيامه في سنوات نشاطه الأخيرة في مصر ببطولة ستة أفلام أبرزها: حبيب حياتي، عاشور قلب الأسد، حلاق السيدات، وقاضي الغرام.
لذلك كله تملكت الدهشة الجميع وهم يتابعون نبأ هروب عبد السلام النابلسي من مصر لا سيما وأنه كان ينتظر موقف كل من عبد الحليم حافظ والمخرج حلمي رفلة من تحديد موعد بدء تصوير فيلم "معبودة الجماهير" أمام شادية ويوسف شعبان، وهو الفيلم الذي ظهر بعد ذلك بخمس سنوات بالممثل فؤاد المهندس الذي حل بديلا للنابلسي في دور صديق عبد الحليم حافظ، غير أن الكوميديان المعروف كان مدفوعا في هذا القرار بخلاف مادي حاد مع مصلحة الضرائب المصرية التي قدرت عليه سنة 1961 مبلغ ثلاثة عشر ألف جنيه ضرائب متأخرة، ولم تفلح مفاوضات الطرفين سوى في تقليص المبلغ إلى تسعة آلاف جنيه، وإزاء رفضه سداد هذا المبلغ تحول الأمر إلى دعوى قضائية وسيل من الضغوط والملاحقات لم يستطع النابلسي تحمّله، فقرر الرجل العودة إلى مسقط رأسه مضحيا بما كان ينتظره من عمل في مصر، فجمع كل ما يملكه من مال وخبأه داخل لعبة أطفال أهداها إلى "سمر" ابنة المطربة نجاح سلام والمخرج محمد سلمان حيث كانت الأسرة بأكملها تستقل الطائرة ذاتها المتجهة إلى بيروت، وطوال الرحلة لم تبرح عينا النابلسي الطفلة سمر ودميتها التي تلهو بها حتى إذا ما غادر الجميع مطار بيروت انتزع اللعبة من يد الطفلة وأخرج ما بها من مال وسط دهشة الحاضرين، وأسرع إلى بنك "أنترا" ليودع ثروته كلها هناك، وأخذ النابلسي يبعث إلى مصلحة الضرائب في مصر بحوالة بريدية قيمتها عشرون جنيها شهريا ما يعني سداد ديونه الضريبية في أكثر من 36 عاما الأمر الذي اعتبرته المصلحة نوعاً من عدم الجدية فقررت الحجز على أثاث منزله في منطقة الزمالك لكن حتى هذا الإجراء لم يكن كافيا لسداد الدين، فبقيت القضية معلقة حتى وفاة النابلسي في الخامس من تموز/ يوليو 1968.
وفي بيروت عاش النابلسي ملكا، وأصبح منذ العام 1963 مديراً عاما لشركة الفنون المتحدة للأفلام، وساهم في زيادة عدد الأفلام المنتجة كل عام في لبنان حتى أنه شارك بنفسه في بطولة نحو سبعة عشر فيلما خلال السنوات الست التي سبقت رحيله أبرزها: فاتنة الجماهير، بدوية في باريس، حبيبة الكل، الدلوعة، رحلة السعادة، كرم الهوى، والحب الكبير الذي شارك في بطولته كل من فاتن حمامة وفريد الأطرش، وإزاء حالة النشوة التي شعر بها النابلسي بعد هذا الحضور اللافت ملأ الدنيا ضجيجاً عن تزعمه للحركة السينمائية في لبنان للدرجة التي استفز بها بعض الأقلام اللبنانية، وها هي صحيفة اللواء البيروتية تشنّ عليه هجوماً في الصفحة التاسعة والثلاثين في عددها الصادر بتاريخ 11/2/1965 تحت عنوان "النابلسي أين كان؟ أين صار؟" بتوقيع حيادي جاء فيه أن النابلسي استأجر شقة في عمارة يعقوبيان في الروشة كي يقيم إقامة دائمة في بيروت حيث لا يريد العودة إلى مصر خوفاً من الضرائب، وتصور أنه حامل أثقال السينما ونهضتها في لبنان، وسيطرت عليه عقلية جديدة لاحظها المخرجون فضايقهم ذلك، ومضى المقال يقول إن القاهرة لم تخسر شيئا بغياب النابلسي، فلديها فؤاد المهندس وعبد المنعم إبراهيم ومحمد عوض، الخاسر هو النابلسي نفسه الذي افتقد الوقوف أمام الأسماء الكبيرة في هذا العدد الوافر من الأفلام مثلما كان يحدث في السابق.
على صعيد آخر حقق النابلسي في بيروت رغبة قديمة في الاستقرار الأسري بعد أن ظل حتى تجاوزه الستين من عمره متمتعا بلقب أشهر عازب في الوسط الفني، هذه الرغبة التي قادته إلى محاولات عدة للزواج أولها سنة 1935 حسبما أشارت مجلة العروسة والفن السينمائي بتاريخ 18/9/1935 حينما كانت شهرته كمساعد مخرج تفوق شهرته كممثل، لكن والد الفتاة التي تعلّق بها رفض أن يزوج ابنته لرجل يعمل في السينما، الأمر الذي تكرّر مرة أخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر 1959 لكن الرفض هذه المرة كان من جانب الفتاة نفسها، ورغم أنه قرر بعد هذه المحاولة الكف عن التفكير في الزواج إلا أن لقاءه بالمعجبة جورجيت سبات جعله يتراجع عن قراره، وحتى لا تتكرر أسباب الرفض قام بإتمام إجراءات الزواج في فيللا صديقه الملحن فيلمون وهبي من دون علم أسرة الفتاة التي دخلت معه في صراع مرير أرغمته خلاله على تطليقها قبل أن تحكم المحكمة بصحة الزواج ويتم الصلح، وفي ما يتعلّق بظروف وفاته، فقد تلاحقت الأحداث سريعاً في الأشهر الأخيرة خاصة بعد أن أعلن بنك أنترا إفلاسه الأمر الذي كان يعني إفلاس النابلسي هو أيضاً، فزادت شكواه من آلام المعدة لدرجة أن الفنانة صباح رفيقته إلى تونس قبل أسبوعين من رحيله لتصوير فيلم "رحلة السعادة " قالت إنها كانت تسمع تأوهات ألمه من الغرفة المجاورة في الفندق رغم أنه كان حريصاً على فتح حنفيات المياه كي يعلو صوتها على صوت أوجاعه، فضلا عن تركه مفتاح غرفته في الباب من الخارج حتى يتم إسعافه عند اللزوم، وبعد عودته إلى بيروت أخذت حالته الصحية تزداد سوءا إلى أن امتنع عن الطعام قبل أيام من رحيله، حتى كانت ليلة الخامس من تموز/ يوليو 1968 حيث لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله إلى المستشفى، وفي صباح اليوم التالي احتشد مئات الأطفال والفتيات وقليل من الفنانين أمام مسجد البسطا انتظارا لتشييع جثمان نجمهم المحبوب، ولم تجد زوجته ما تنفقه على مصاريف الجنازة فتولى المهمة صديقه فريد الأطرش عن طريق شقيقه فؤاد.
( مع زوجته) وبعد وفاة النابلسي بأيام كشفت صديقته القديمة الممثلة زمردة سراً مهما يتعلق بطبيعة مرضه، حيث أكدت أنه لم يكن يعاني – كما أشاع - من متاعب بالمعدة، وإنما كان مريضاً بالقلب قبل عشر سنوات من وفاته، وأنه تعمّد إخفاء هذه الحقيقة حتى عن أقرب المقربين له كي لا يتسرّب الخبر فيكف المنتجون والمخرجون عن الاستعانة به في أفلامهم، وأضافت زمردة حسب ما نقله مندوب مجلة "الكواكب" في بيروت بتاريخ 23/7/1968 أنها اكتشفت هذه الحقيقة بالصدفة حين أرسل معها النابلسي بعض التقارير الطبية إلى الطبيب العالمي د . جيبسون الذي كان يشرف أيضا على علاج فريد الأطرش، وهو الذي أخبرها بحقيقة مرض النابلسي من دون أن يدري أن أحدا لا يعرف عنه شيئاً، وعقب عودتها ومكاشفته بما علمت استحلفها النابلسي بالله وهو يبكي – على حد قولها – أن تحفظ هذا السرّ، وهو ما أوفت به الممثلة المعتزلة حتى رحيل النابلسي.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top