غالبية اللبنانيين في حال انتظار معتادة للموفدين الخارجيين، وللحلول التي يعجزون عن صنعها، وهذا لا يشذ عن زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي يستهل جولته الإستشكافية اليوم بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن يلتقي غداً رؤساء الكتل النيابية ويبحث معهم آفاق الحل للرئاسة وللأزمة اللبنانية.
وطبيعة الجولة الأولى للودريان ناتجة من عاملين أساسيين، الأول وصول المبادرة الفرنسية الأولى للفشل المحتوم، حتى لو أرادت القوى الداعمة لسليمان فرنجية إحياءها و"هي رميم"، والثاني هو أن الحلول لا يمكنها تجاوز القرار الذاتي اللبناني وتحديداً لدى القوى الممثلة للشارع المسيحي إن لم تناسب رؤيتها لحل الأزمة ومواصفات الرئيس، فضلاً عن التعنت التقليدي لقوى منظومة التسعينات في تطبيق الإصلاحات والتي سبق أن عبّرت عنه بكل صفاقة في زيارة إيمانويل ماكرون الشهيرة إلى بيروت بعد انفجار المرفأ، بعدما استمعت واستمعت لماكرون ومن ثم موفديه ورمت بالتوصيات الفرنسية إلى غياهب النسيان.
إلى ذلك، من الوهم رهان بعض القوى والأوساط على أن فرنسا تملك مفاتيح الحل الرئاسي. فما تبادر إليه من خطوات لحفظ مصالحها في لبنان والمشرق، مرهون بالموافقة الأميركية المرتبطة برؤيتها الأوسع للمنطقة وخطواتها المتسارعة مع إيران لوقف وصولها إلى عتبة التخصيب لصنع قنبلة نووية، والحد من ارتمائها في الحضن الصيني. وتؤكّد أوساط متابعة لtayyar.org أن غالبية ما يشاع لدى الدوائر اللبنانية المعنية بمصلحتها في الرئاسة، وبالتالي الحديث عن تفضيل الولايات المتحدة لهذا المرشح أو ذاك، لا أساس له من الصحة.
في هذا الوقت انعقدت جلسة حكومة تصريف الأعمال وأقرت ترقية الضباط ومراسيم عدة ومن بينها الكثير مما يخرج عن النطاق الضيق لعملها وصلاحياتها. وكالعادة رمى رئيسها نجيب ميقاتي الكرة لدى من يصر على التمسك بالميثاقية والشراكة والتوازن، لا بل بالأصول البديهية والطبيعية للدستور الذي تصر منظومة التسعينات على انتهاكه، معتبراً أن التمسك بهذه الأصول نوع من "النكد السياسي".
وقد أتى الرد على تبريرات ميقاتي صاعقاً من التيار الوطني الحر. فبعد أن أكدت الهيئة السياسة للتيار أن طريف سليمان فرنجية وداعميه للرئاسة مسدودة، حملت ميقاتي والفريق الداعم له "مسؤولية الإمعان في انتهاك توازنات الميثاق الوطني والمخالفة الصريحة للدستور بسبب الإصرار على عقد جلسات لمجلس الوزراء تستبيح الشراكة الميثاقية"، متوقفة عند "وقاحة إصدار حكومة تصريف الأعمال المستقيلة والمنقوصة ما يزيد عن 627 مرسوماً معظمها غير طارئ أو حتى ضروري".
وبعد بيان الهيئة السياسية للتيار تقاطع معه رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، الذي أشار إلى ان "جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غير مطابقة للوضعيّة الدستوريّة لأيّ حكومة تصريف أعمال"، وأنه "في الوقت الذي تضمّن هذا الجدول بعض البنود التي ينطبق عليها توصيف تصريف الأعمال، تضمّن هذا الجدول أيضًا بنودًا أخرى كثيرة تتخطّى من بعيد ما يحقّ لحكومة تصريف أعمال القيام بها". وأكد جعجع أنّ "صون المؤسّسات لا يكون بالقفز فوق الدستور، ولا باستغلال الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد من أجل القيام بأعمال لا تمتّ إلى تصريف الأعمال بصلة"