يبهرك هذا الإصرار من الرابطة الثقافية على استمراريّة إقامة هذا المعرض السنويّ للكتاب، لتثبيت الهويّة الفكريّة الحضاريّة للفيحاء التي ما التقت إلّا على الكتاب، فهي تاريخيًّا كتاب مفتوح، هندسة وتاريخًا، تراثًا ومعاصرة، كما في نسيجها الأهليّ المتماسك كتلاحم قاعات الرابطة الثقافيّة؛ هنا توقيع كتاب، وهناك أمسيّة شعريّة، وفي تلك التكيّة ندوة، وفي تلك الزاوية لوحات ترسم، وهناك أغان وأناشيد.
جمال المعرض هذه السنة أنّه يشهد حضورًا شبابيًّا جامعيًّا متنوّعا، يشير إلى أنّ الأمانة الثقافيّة بخير، وأنّها تنتقل بسلاسة إلى الجيل الطالع بفرح، كالأبجديّة الخارجة بهيّة من الأوراق الحبلى بألف فكرة وفكرة.
كما تلحظ كثافة حضور، ولعلّه تميّز بوفود طلابيّة من مدارس طرابلس والجوار، ما يعني نجاح هذه التجربة المؤسساتيّة المتكاملة بين الرابطة والمدارس والجامعات، فالجمهور الطليعيّ من اليافعين يؤشّر بحضور أهل الشيب أن الفكر ما زال متربّعًا، وأنّ الثقافة ما زالت بديلا من رائحة الليمون في فيحاء الكتاب.
ربّما آن الأوان لكي يعمل اتحاد بلديات الفيحاء ووزارة الثقافة والمؤسسات المعنيّة بالثقافة، المحلّية والعربيّة والدوليّة، على دعم معارض الكتاب في “مدن الأطراف”، خاصة على صعيد دعم شراء الكتاب ليكون في متناول الجميع، خاصة وانّ المحيط الثقافيّ في المنطقة قابل للكتاب الورقيّ، وللاستزادة من مطالعة العناوين والمضامين.
إنّ طرابلس والجوار أثبتتا أنّ الرابطة الثقافيّة ما زالت تشكّل المحور الأساسيّ الاستقطابيّ لحركة الكتاب شمالًا، بالنسبة لدور النشر، ولعدد الزائرين الذين يفدون من مختلف المناطق. من هنا فإنّ الرابطة الثقافيّة، بهمّة رئيسها رامز الفري، مدعوة إلى تطوير القدرات المتوافرة، منها مثلا استقطاب أوسع للمنتديات الثقافيّة في مناطق لبنان ليكون حضورها أفعل في مجالات تبادل الخبرات الفكريّة ولغة الحوار الثقافيّ الفاعل، عبر أجنحة تتناول منشوراتها وكتّابها ومفكّريها، إضافة إلى استضافة مفكّر أو شخصيّة ثقافيّة، عربيّة أو عالميّة في جلسات فكريّة لمثاقفة حضاريّة عامّة.