مع هذا الفن لم يعد الخيال حبيس العقول والأوراق، مع هذا التطور التقني المذهل لم تعد الأفكار المجنونة تؤرق أصحابها وحدهم، بل انتقل أرقهم إلى العالم بأسره، هذا المولود المبهر يصيغ مخيلاتنا وأفكارنا وعواطفنا وأشجاننا وأحزاننا وتاريخنا، فقد يختصر فيلما سينمائيا واحدا حياة كاملة، في وقت لا يكاد يتجاوز الساعتين.
ثمة تحولات نوعية تجتاح هذا العالم المرئي الساحر الذي شكل مخيلاتنا ووجداننا، هناك تطور محتوم يجري اليوم في عالم السينما، رغم الرفض والمعارضة الشديدة لهذا التقدم التقني الكبير، ولكن التكنولوجيا الحديثة والمتطورة تتمكن يوما بعد آخر، من تكريس وجودها وبرهنة قدرتها على الخلق والإبداع والتميز والتمازج بينها وبين صناعة الأفلام والخلق فيها والابتكار من خلال إنتاجها غير المسبوق في سوق السينما والذي لم يشهد العالم له مثيل من قبل.
كما أن إضافة الشاشات الجديدة المحترفة التي تمتاز بتدريج الألوان في مرحلة ما بعد الإنتاج وضبط الجودة والتقييم والمراقبة في موقع التصوير وتعديل المشاهد المسجلة ومراقبة البث الحي واستخدامها في شاحنات البث الخارجي والصور المولدة بمساعدة الكمبيوتر والأفلام المتحركة ثلاثية الأبعاد والتصميم بمساعدة الكمبيوتر، كل ذلك كان له وقعه وبصمته المؤثرة في إحداث النقلة السينمائية الجديدة.
كل ما نلمسه اليوم، وما يمر به عالم الأفلام السينمائية، ما هو إلا مؤشر بداية لمستقبل باهر جديد كليا يأتي عشاقه ومتابعوه بالكثير من الإبداعات والمفاجآت، والتطوير المستمر والمتواصل، بل والمتسارع، وقد تمكن هذا التطور التقني من مساعدة المبدعين على عرض منتجات أكثر تنوعا وأعلى جودة، فسحت المجال لمزيد من الإبداع أمام المحترفين في مجال الفيديوهات والأفلام.. إنها السينما، إنها الخلق والابتكار، إنها الحياة.
ولدت السينما نتيجة التلاقح بين العلم والفن، وارتبطت بأبحاث علمية مرتكزة بشكل مباشر على علوم متعددة من الفيزياء والكيمياء والرياضيات، فكيف لمعارضي هذا التطور وهذا التقدم أن يتغافلوا عن أن السينما مولود أوجده التقدم والتطور العلمي؟ كيف يمكننا فصلها عن أصلها؟ هي وجدت لتتجدد وتخلق وتبدع، فالسينما منذ أن ولدت لم تتوقف عن السير إلى الأمام وما بقيت عاثرة حيث وجدت، بل إنها منذ بدايتها وهي تحث الجميع على الخلق والإبداع، وتحفز المفكرين والشعراء والأدباء على الخوض في غمار الخيال.