في لبنان الكل ينتظر انتخاب رئيس للجمهورية، وللأسف القوى التي تمثل المجلس النيابي مشتتة وموزعة في آرائها وقناعاتها إلى درجة يصعب معها أن نجد القواسم المشتركة بسهولة. هذا التوسع بالكتل النيابية يعقِّد انتخاب الرئيس، أي يعقِّد اجتماع 65 أو الثلثين من أجل النصاب، وهذا يتطلب جهداً ويتطلب عملاً. واحدة من مشاكلنا في تركيبة المجلس النيابي الحالي أنَّ أغلب الكتل متمسكة بقناعاتها المبنية على الاستئثار، وإلَّا لا مانع لديها من أن ينهار البلد شرط أن لا يعطوا أصواتهم إلَّا لمن يكون تحت إدارتهم، هذا خطأ في السياسة ويفترض أن يكون هناك مرونة، في السياسة يفترض أن يكون هناك تعاون، وطالما أنَّ عدداً كبيراً من الكتل لا تستطيع أن تنجز وحدها هذا الانتخاب فهذا يعني أنَّ عليها أن تتعاون مع الكتل الأخرى. ما هو التعاون؟ التعاون يبدأ بالحوار ثم بالبحث عن القواسم المشتركة ثم بتنظيم الخلاف إن وجد كي نتمكن من الاجتماع على شخص حتى ننجز هذا الاستحقاق ليبدأ العمل في البلد باتجاه الحكومة والإصلاح كي نخرج من هذه الهاوية التي وقع فيها لبنان، لا يمكن أن ننجز الاستحقاق إذا كل واحد بقي متشبثاً برأي قناعاته.
كل كتلة من الكتل
التي تريد أن تأخذ كل شيء ولا تريد أن تتنازل عن شيء ولا أن تدور الزوايا ولا أن
تبحث عن قواسم مشتركة مع الآخرين، فهي تفضِّل الفراغ على الانتخاب، وهذا خطأ وخطر
وأمر لا يناسب لبنان على الإطلاق. اليوم لا يمكن الاعتماد على الخارج، بل نحن لا
ندعو للاعتماد على الخارج بالأصل، لكن الخارج إما لا يملك القدرة كبعض الدول التي
لا تملك القدرة، ودول أخرى تمارس دور التعطيل ودول أخرى غير مبالية، فضلاً عن أنَّ
الذي كان يراهن في الداخل على أن يدعمه الخارج من أجل أن يأخذ مكتسبات، الفرصة غير
مؤاتية لأنَّ الوضع الخارجي غير ملائم لبعض من يفكر في الداخل بمكتسبات. إذاً أين
هو الحل؟! الحل فيما بيننا أن نقرب وجهات النظر وأن نتفق وإلَّا يصبح الخيار خيار
إسقاط لبنان، وهذا أمرٌ لا يناسب أبداً
وليس صحيحاً.
نحن نرى المنطقة ذاهبة إلى التسويات والاستقرار
والحل السياسي وعلى رأس ما حصل في المنطقة الاتفاق السعودي الإيراني. هذا الاتفاق
كان حلماً، هذا الاتفاق كان شبه مستحيل في نظر الكثيرين نظراً للتعقيدات الموجودة
بين البلدين، لكنه حصل لأنَّ هناك قرار جريء وشجاع من كل من إيران والسعودية
لأنهما يريدان التعاون مع بعضهما ويريدان توجيه البوصلة نحو الاستقرار السياسي لمصلحة
بلديهما ولمصلحة المنطقة في آن معا. هذا قرار جريء وشجاع في آن معاً.
اليوم هذه المناخات
الإيجابية وجدت بينما لم نكن نتوقع أن تحصل، أليس الأولى أننا نعيش في بلد واحد،
أن نرى كيف نجري تسويات فيما بيننا حتى نتفاهم؟! لأنَّ هذا البلد لنا جميعاً
ونشترك فيه وسيكون للأجيال القادمة، وما حصل في الاتفاق السعودي الإيراني غيَّر
الاتجاه في المنطقة، كان الاتجاه أنَّ إيران هي العدو، وإسرائيل تريد أن تجتمع مع
بعض العرب من أجل مواجهة إيران. اليوم بالاتفاق السعودي الإيراني تغيَّر الاتجاه،
وعادت إسرائيل كعدو حقيقي للجميع، ولذلك نجد التخبط في إسرائيل والمرارات التي
يعيشونها من هذا الاتفاق، وهذا كله ببركة الموقف الجريء الإيراني السعودي. اليوم
الاتجاه في المنطقة أنَّ الكيان الإسرائيلي هو العدو، يعني عدنا إلى البداية في
مرحلة يعاني هذا الكيان من صعوبات داخلية في مرحلة يعاني هذا الكيان من ترهل وضعف
في مرحلة نجد فيه محور المقاومة يتقدم بإنجازات وانتصارات وبداية حلول في اليمن
وفي سوريا وفي مناطق أخرى، إضافة إلى ازدياد القوة الموجودة فلسطينياً عند هذا
الشعب المجاهد في داخل كل فلسطين، فضلاً عن ذلك كل الإنجازات التي أنجزها محور
المقاومة، هذا كله سيكون في مصلحة أن نتقدم إلى الأمام وفي مصلحة أن نحقق إنجازات
مقابل الفشل الإسرائيلي.
علينا دائماً أن
نبقى في حالة استعداد كمقاومة، وأن نزيد من قوتنا إلى الحد الأقصى، وأن لا يكون
هناك حدٌّ للإعداد والتدريب والتسليح والتبرير وزيادة المؤيدين والمناصرين
والعاملين والذين يحملون راية تحرير فلسطين والقدس، لأنَّ عوامل القوة هذه عندما
تزداد وتجتمع معنا نستطيع أن نحقق الانتصار الكبير إن شاء الله بسقوط هذا الكيان
الذي سبَّب الخراب والانهيارات والمشاكل الكبيرة في منطقتنا.