من المتوقع أن يبدأ لبنان الإنتقال من تداعيات مواجهة تعديل التوقيت السخيفة بأهداف مفتعليها، الخطِرة بدلالاتها، إلى عناوين أخرى من النقاش السياسي، وحتى المواجهة مع أركان منظومة التسعينات. وعلى الرغم من أنَّ المجلس النيابي شهدَ أمس موقعةً سادتها البلبلة والهرج والمرج بعدَ أن
"ضاع الشنكاش"، فإنّ الأمور سرعان ما عادت إلى مجاريها بفعل "الصلحة" بين النائبين سامي الجميل وعلي حسن خليل برعاية نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وتدخلٍ شخصي من رئيس المجلس نبيه بري.
ويبدو أنّ هذه المياه الباردة التي أُلقيت على جمر ما بعد "مواجهة الساعة"، باتت حاجةً للحد من افتعال سجالات عبثية وكادت أن تأخذ لبنان إلى احتقان طائفي لا داعٍ له فيما يعانيه اللبنانيون، غير أن ذلك مرتبط بمدى قدرة أركان المنظومة تحديداً على الإستفادة من العِبر والتوقف عن نهج التفرّد والإستعلاء.
كما أن "العِبِر" أظهرت سقوط ذرائع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن التعدي على صلاحيات رئاسة الحكومة، عندما بانَ لا حولَ ولا قوة له أمام استدراج رئيس المجلس نبيه بري.
والعنوان الأبرز الذي يبقى رئاسة الجمهورية، باتَ في هو الآخر في مرحلة متمايزة فرنسياً عن الحماس الذي ساد في الفترة الأخيرة لدعم سليمان فرنجية بفعل ضغط اللوبي المالي الداعم له في الأروقة الباريسية، وبفعلِ قراءةٍ فرنسية تعمل على قراءة الواقع اللبناني كما هو، لا كما يتمناه اللبنانيون من رئاسة تمتلك رؤيا لمواجهة الملفات المالية والإقتصادية. غير أنَّ هذه القراءة الفرنسية المستجدة تحتاج إلى وقت للتبلور، والتقاطع مع مواقف اللاعبين الإقليميين والداخليين.
فالسعودية لا تزال على موقفها الرافض لفرنجية، وتعمل على إعادة ترتيب بيت نفوذها الداخلي في لبنان. وفي هذا الإطار لفتت زيارة السفير وليد البخاري للسرايا الحكومية ولقائه ميقاتي "الضائع" والباحث عن مخارج.
وفي الإطار الإقليمي أيضاً، من الواضح أن غالبية القوى اللبنانية تنتظر مفاعيل ترجمة التحول السعودي – الإيراني لتبني على الشيء مقتضاه، وحتى ذلك الحين، تبقى الثنائية الشيعية متمسكة بفرنجية كورقة لا يمكن التخلي عنها قبل تبلور البديل. وتكشف معلوماتٌ أن حزب الله أبدى في لقاءاتٍ دمشقية، دعمه الكامل لمسار الإنفتاح بين سوريا وكل من السعودية وتركيا، والوقوف إلى جانب خيار الدولة السورية التي باتتْ في جهوزية تامة للتعاطي معه ومع مفاعيله مستقبلاً.
تجاه هذا المشهد، يبقى التيار الوطني الحر واقفاً على مفترق القوة الحقيقية في لبنان، وهي الذاتية في استقلالية القرار، وخارطة الطريق الرئاسية التي من شأنها أن تصنع الجسور مع أي قوة داخلية ترغب بالتغيير، والدول الخارجية التي تشدد على الإصلاحات والنهوض وفق خارطة طريق مستقبلية. وبعد الدفع الذي منحه خطاب رئيس "التيار" جبران باسيل للقواعد "التيارية"، أتت زيارته مع وفد إلى كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كشيشيان أمس لتعكس من جهة "التيار" هذا الإصرار على التواصل مع الجميع، والرؤيا الثاقبة والمستقبلية للبطريرك كشيشيان تجاه الحلول للأزمة اللبنانية.
في هذا الوقت، تستمر تداعيات الإنهيار اللبناني والتمزق الإجتماعي بتقديم صورٍ بشعة عن الواقع اللبناني. ففي حين شهد الدولار انخفاضاً إلى نحو 107 آلاف ليرة على أثر ارتفاع مفاجئ أمس، لا تزال الجرائم ومنها قتل سيدة من آل زعيتر على يد زوجها، لتظهرَ حجم الحاجة إلى الجهد المستمر لتكريس قيم احترام حقوق الإنسان واحترام الآخر المختلف والفئات المهمشة اجتماعياً.